Friday, October 22, 2010

زياد بن شداد

زياد بن شداد

عندما بلغت من العمر أربع سنوات أدركت بأن هنالك خطبا ما في المكان الذي أعيش فيه. طائرات تمر في السماء, عبارات بالعبرية تغزو أسماعنا, سيارات عسكرية تقلق نومنا, وغرباء يخافون جرار الزيتون. عندما بلغت من العمر أربع سنوات حدثنا صاحبنا عيسى بن هشام انه يوم كان ببغداد يتمدد على شواطئ الأبد الصاعد رأى ما يدمر السدود ويقتل الأسود. أصبح المد سديدا, يضرب ذو السؤدد الشديد بلا ود. ويجرح الأرض الودودة حافظة العهود, وصاحبة الجود منذ عقود. رحل الجود وساد الجراد منذ عقود. عدد الموارد أصبح محدود والجود أمسى موجودا فقط عند بني زياد بن شداد. ولكن صاحبنا زياد بن شداد نوى الرحيل ليصبح في عداد جيش الجراد, في الصباح أدركنا أن البلاد ضاعت بني الجراد وبني زياد ,وعند المساء عدنا لبناء السدود لإنقاذ ما تبقى من بغداد لعلنا نعود مثل بني الرشاد. 

السلام الوطني الابراهيمي


السلام الوطني العجيب

منذ أن دخلت المدرسة وأنا معتادة على سماع و ترديد السلام الوطني الرائع الذي طالما أحببته والذي سأكتشف فيما بعد أنه إحدى قصائد شاعرنا العظيم إبراهيم طوقان. لم يكن مستعصيا على الحفظ فقد كان سلسلا ذو معان عميقة ورائعة.
 استمر ترديدي للسلام الوطني حوالي خمس أو ست سنوات. لم أشعر قط  بالملل وأنا أردد ذاك النشيد  الذي أصبحت فيما بعد  أطلق عليه اسم  السلام الوطني الإبراهيمي تيمنا بالشاعر إبراهيم طوقان لاعتقادي أن كل من يدعي إبراهيم هو صاحب تأثير وسلطة  كبيرين  فمثلا الاسم الكامل للحرم هو الحرم الإبراهيمي تيمنا بسيدنا إبراهيم عليه السلام, هكذا كنت اربط الأشياء بعضها ببعض  من غير الانتباه إلى أن تلك الروابط  تفتقر إلى الأساس المنطقي نوعا ما. لم يكن السلام الوطني جزءا من الروتين اليومي , فمعاناة شعب وأمل شبابه بالتحرير ليست بالروتين اليومي الملل , فإذا تحولت يوما ما إلى روتين يومي قاتل فإنها في طريقها للزوال. كان الترديد اليومي المستمر للسلام الوطني حالة خاصة أشبه بالانتقال للعيش بين الصور البديعية بين ثنايا الكلمات والأوزان الشعرية, على الرغم من أننا كنا صغار ولم نكن ندرك مدى جمال التصوير الشعري لكننا كنا نحاول قدر المستطاع تخيلها والعيش فيه ولو لبرهة من الزمن.
لا أدري كيف اضطررنا يوما لتغيير السلام الوطني الذي اعتدنا عليه وألفنا كل حروفه وكلماته ومعانيه , لا أدري من هو صاحب فكرة تغيير السلام الوطني , لا أدري ما المغزى من تغييره , هل تم استبداله بنشيد آخر من أجل إنشاء جيل  لايعرف كيف يميز الطيب من الخبيث ؟ هل أجبرنا على تغيير نشيدنا لنصبح جيلا لا يعرف من الحقيقية شيئا؟

في الواقع لم أنسجم مع النشيد الجديد إلى هذه اللحظة , لم أعدد اردد السلام الوطني كل صباح , اكتفي بالصمت ومحاولة أيجاد شيء يلهيني عن الاستماع إليه, كنت أحيانا أتظاهر بأنني أردد النشيد كباقي زملائي في المدرسة عندما أسمع المعلمة تصيح بنا لنردد النشيد بصوت أعلى  , لا أدري إذا ما يستحق أن نطلق عليه صفة نشيد ,فأنا أراه ابعد ما يكون عن النشيد بالرغم من الكلمات التي زينت جوانبه لتبعدنا شيئا فشيئا عن السلام الوطني الإبراهيمي.
هل نحتاج إلى تغيير أفكارنا, نمط حياتنا الممل, عاداتنا الصباحية مع كل اتفاقية جديدة ؟ أصبح نمط حياتنا يتغير شيئا فشيئا, الاتفاقيات, المؤتمرات, الاجتماعات, المفاوضات,قمم جامعة الدول العربية, زيارات واشنطن, وكواليس مكاتب تل أبيب,  ما هي إلا وسائل لتغيير نمط حياتنا نحو الأسوأ.
 هل خاف احدهم ان ندرك يوما ما كان إبراهيم طوقان يحاول أن إخبارنا إياه ؟ هل أدرك احدهم أن إبراهيم طوقان رأى ما نعجز عن رؤيته الآن,لا أدري كيف قررأحد أعضاء فريق سماسرة البلاد استيعاب الأمر سريعا ومنعه من الانتشار بين أبناء جيل مشتتي الفكر والهوية فقام واستبدل ابراهيم طوقان بإحدى اتفاقيات واشنطن.

يا هَناكْ في عُلاكْ قاهراً عِداكْ
هل أراكْ في علاكْ تبلغ السِّماكْ؟

حدود خيبتنا

                                                               حدود خيبتنا

هل كان بنيتهم قراءة الشعر على درج كلية الآداب ؟ أم أنهم فقط كانوا يفكرون فقط  في قضاء يوم عادي من أيام حياتهم اللاعادية؟ لا أدري إن كانوا قد بدؤوا  يشعرون بالملل يتسلل إلى حياتهم وكتبهم وقلوبهم ؟ لا أعلم سوى أنهم واقفين هناك ينظرون ويتحسرون على خيبة الجيل الجديد الذي لا يمكن أن تميزه عن الببغاوات وذلك لأنهم قد بدأ يسرقون حقوق ملكية التقليد والترديد من غير وعي من إخواننا الببغاوات. للأسف فإنني انتمي لجيل لا يعرف الألف من الياء , يعرَف فلسطين على أنها دولة مقامة على حدود عام سبعة وستين , وكأن حدود الدول حين رسمها الاستعمار رسمها بناءً على أعوام هزيمتنا ونكبتنا وخيبتنا, أحيانا أجد صعوبة بالغة في فهم واستيعاب جملة ( دولة فلسطينية مقامة على حدود سبعة وستين ) أليس من الأجدر أن يسميها فريق سماسرة البلاد (دولة شبه عبرية مقامة  على حدود خيبتنا).

لا أريد أن أكون نمطية مملة لأن الموت في بلادي علمني أن هنالك لا مساحة للنمطية , كل عام يعلمني ألف طريقة وطريقة كي أموت بلا نمطية , يريدني أن أحظى بشيء يميزني عن الآخرين, نهاية مميزة  عن نهايات الآخرين, حتى الموت أصبح عليه من الصعب أن يرانا نموت بهذا الشكل الروتيني. هل يكون الموت سعيدا حين يرسلنا لمنازل الشهداء ؟ هل يدرك انه يسدي لنا صنيعا بإرسالنا لمنازل الشهداء؟ أم أن هنالك غشاوة على عينه تجعله يرانا في الجحيم لا الفردوس؟  
لا أريد أن أكون مملة بالحديث عن الموت والمجازر والبدء بوصفها بشكل مفصل وكأنني كنت هناك في وسط المجزرة. أنا لا أعرف كيف أخبركم عن مجازر بلادي, ولكني اعرف شيئا واحدا ألا وهو شعور الحسرة والخيبة عندما اسمع عن المجازر من أناس ما وطئوا البلاد يوما , وحين أقف أشاهد موتنا على التلفاز في نشرات الأخبار.
 شاهدت موتنا وجربت معنى الحسرة, والخيبة, وذلك حين منعنا فريق سماسرة البلاد من تأبين شهدائنا  و الخروج في مظاهرات نخبرهم  فيها أنهم سماسرة. لم أكن في الجامعة حين اقتحمها المستوطنون مدججين بالسلاح ... لن أكمل الحديث عن المجزرة لأن مخيلتي لا تسعفني في توقع باقي فصول المجزرة ... لا يعرف بقية الفصول سوى فريق المسلحين وفريق العزَل .... كل ما اعرفه أن فريقا مسلحا من المارين بين الكلمات العابرة اقتحموا الحرم الجامعي واختبروا مدى فعالية أسلحتهم الجديدة على طلاب الجامعة الإسلامية وانصرفوا إلى الجهة الجنوبية من المدينة.     

Thursday, October 21, 2010

رجال


لم أقع في حب الجامعة كما كنت أتخيل في سنوات المراهقة الأولى.  كان أول فصل دراسي بالجامعة أشبه بالأيام الأولى في الروضة , والمدرسة الابتدائية , لا أدري كيف تسلل شعور الغربة إلى كتب الأدب الانجليزي والى قاعات كلية الآداب. لم أرغب في التعرف على الطلاب والأساتذة , كان همي منصبا حول التخلص من وقع المحاضرات الثقيلة والذهاب إلى البيت في أسرع وقت ممكن , والدتي استغربت الحالة التي كنت فيها , كانت دائما تخبرني بأن الوضع سوف يتغير وما هذه الحالة إلا ردة فعل طبيعية لأنني قد دخلت إلى عالم جديد ومختلف عن عالم المدرسة والمراهقة واللعب, في أحيان كثيرة لم أكن أعير كلام والدتي هذا الاهتمام ولكن بعد مرور أربع  سنوات عرفت وأدركت ما كانت تعنيه والدتي تماما. 

 
في صباح الخامس من تشرين الأول شاءت ساعة المنبه أن أستيقظ متأخرة نصف ساعة كاملة , لأصل فيما بعد إلى الحرم الجامعي محملة بشحنة من الغضب تكفي لإخافة الجامعة بأسرها. لم تكن ساعة المنبه تستحق مني كل هذا الغضب ولكن على ما يبدو فإنني أصبحت أحب كل ما يثير غضبي لأنني بالفعل أشعر بالغضب , لا أدري ما السبب وراء غضبي الجامح ولكنني متأكدة بأن عقلي الباطن على علم ويقين بسبب ذلك الغضب اللامبرر حسب وصف والديَ. شاءت الأقدار في ذلك الصباح أن أرى لحظة دخولي الحرم الجامعي احد الأشخاص الذين أكن له قدرا كبيرا من المحبة لدرجة أنني لحظة رأيتهم أشحت بوجهي بسرعة إلى الجهة لأرى ما زاد الأمور تعقيدا وسوءاً.
كانوا ثلاثتهم واقفين هناك بكل عنفوان و ثقة, نظراتهم ثاقبة, لائمة, متسائلة, لم أنطق ولو بكلمة, وكأن لساني هرب من مكانه, خجلا وليس خوفا, وقفت انظر إليهم, أحاول فهم أسئلتهم لكي أعطيهم جوابا كان مفقودا منذ عقود, فشلت و عجزت عن فهمهم. شعرت بالخجل من نفسي ومن الجيل الذي انتمي إليه, ساعة رأيتهم أدركت بأنني لا اعرف شيئا من هذه الدنيا. أدركت بأني أعيش وسط كذبة كبيرة سوف تودي بنا إلى الهاوية قريبا.
كيف لم انتبه يوما إلى شاهد الضريح الذي على اليمين من البوابة الرئيسية للحرم الجامعي ؟ هل كانت هناك غشاوة على عيني منعتني من الانتباه لوجود الشهداء الثلاثة هناك ؟ كانوا يرونني كلَ يوم و لا أراهم ؟ عدت للتساؤل مرة أخرى, أصبح عدد أسئلتي يفوق عدد الإجابات الموجودة والمحتمل وجودها.  مجزرة جديدة تم إضافتها إلى كتب التاريخ, لا ادري بالتحديد إلى أي كتب تم إضافتها,  إلى كتب تاريخنا أم تاريخهم ؟ 

في السادس والعشرين من شهر تموز  لعام ألف وتسعمائة وثلاث وثمانين قامت ...............

Monday, October 18, 2010

سجن جنيد والفلافل


سجن جنيد والفلافل


في سنوات طفولتي الأولى تعودت على عادات أصبحت فيما بعد جزءاً من تاريخي الشخصي وطريقة تفكيري التي تصفها والدتي بالعجيبة والتي تحتاج إلى تقويم. كانت جدتي تصطحبني  إلى مكان كنت أجده مسليا نوعا ما , رغم الألم الذي كان يعتري صدور الكبار إلا أننا الصغار كنا نجده مكانا للعب والترفيه , لم نكن ندرك مدى الألم الذي يعتصر أمهاتنا وجداتنا وهن يصطحبننا إلى السجون واحدا تلو الأخر لنزور الأقارب  والأعمام والجيران, كانت زيارة السجن وكأنها العيد الذي نشتري فيه كعك القدس لنأكله بكل فرح وشراهة.
في إحدى زيارتي للسجن تشاجرت مع أحد أبناء جيراننا الذي كان أيضا متوجها مع والدته لزيارة أخيه الأكبر في سجن جنيد , لم يكن سبب المشاجرة سببا قويا يدفعنا إلى ضرب بعضنا , بكل بساطة  كان ذاك الولد يحمل الفلافل  ورفض  أن يطعمني منه , فجنَ جنوني وأخذت أضربه وأصيح فيه , لم تكن والدتي معنا في تلك الزيارة  مما شجعني على المضي قدما في أعمال الشغب والمشاجرات مع الأولاد الآخرين. جدتي المسكينة و بعد جهد جهيد تمكنت من السيطرة على المشاجرة وإقناعي بأن الفلافل ليس صالحاً للأكل.  كانت زيارة السجن عبارة عن رحلة لشراء الفلافل والسكاكر والكعك بالإضافة  إلى مواصلة النظر  إلى البيوت ذات السقوف الكرميدية والتي كانت لا تشبه بيوتنا بشيء. كانت مناظر تلك البيوت تأسرنا وتأخذنا إلى عالم الرسوم الكرتونية. كان وجود تلك البيوت- البعيدة نسيبا عن مسار الطريق- نعمة مؤقتة لجداتنا وأمهاتنا حيث كنَا معظم الوقت مشغولين بالنظر إليها والتأمل فيها مما كان يضفي بعض الهدوء على جو الرحلة.

في سنوات لاحقة أدركت أن تلك البيوت ما هي إلا المستوطنات التي قطعت أوصالنا وجعلتنا أحيانا قبائل متناحرة, أجل المستوطنات والتي معظم العاملين فيها من أبناء جلدتي, وبعضهم كانوا زملائي في مساق الأدب المقارن, يا لها من مفارقة ليست عجيبة وإنما أليمة.
توقفت وجدتي  عن زيارة السجون واحدا تلو الآخر لان بعض المساجين انقضت مدة محكومتيهم التي تراوحت بين أربعة عشر عاما وخمسة وعشرين عاما. أنا وجدتي توقفنا عن زيارة السجون ولكن أناسا آخرون لا يزالون يزورنها ويذوقون طعم المرارة في كل زيارة.

Monday, October 11, 2010

يا من تجدون إلى تميم البرغوثي سبيلا اسألوه على لساني " لماذا حائط المبكى وليس حائط البراق؟".


 هم القوم الذين عبروا الأرض منذ ألفي عام, لم يتغيروا منذ الآلاف السنين. نفس العادات الجيدة والسيئة, الطعام نفسه , حتى لغتهم المنقرضة أعادوا إليها الحياة بشكل قسري , كل حدث جديد في حياتهم يأخذ منحنىً ايجابي أو شبه طبيعي بشكل قسري.  
 احتلوا الحائط وفرضوا سيطرتهم عليه كما فعلوا مع باقي أجزاء الأرض. حاولوا إضافة لمساتهم العشوائية على الحائط كما فعلوا مع باقي أجزاء المدينة ,  فلم يبقى الحي حيا , ولم يبقى المسجد مسجدا , ولا حتى الطير طيرا. أضحيت أراهم في نشرات الأخبار يهزون رؤوسهم , يتمتمون بما يشبه الكلام مقابل ذاك الحائط الذي حيرني أحدهم في اسمه . منذ ولدت وأنا أعرف أن للحائط اسما واحدا ألا وهو حائط البراق , لكني لا أدري كيف أصبح حائط المبكى. هل لأنهم يبكون هناك ؟ وهل من شيء يستحق البكاء هناك ؟ أم أنها كما أحب أن أدعوها دموع التماسيح التي لا جدوى منها.
  ربما نجحوا بخبثهم اليهودي المعهود بإقناع  جميع الناس إن للحائط اسما واحدا ألا وهو حائط المبكى , حتى أن من لقبه الناس بشاعر القدس أصبح يدعوه حائط المبكى, لقد ذكر الاسم اليهودي للحائط في قصيدته الشهيرة " في القدس " بدلا من الاسم الأصلي ألا وهو حائط البراق. في الواقع كان للاسم اليهودي في لقصيدة اثر كبير على متابعتي لأعمال  الشاعر تميم البرغوثي, أني أعترف بان أعماله الشعرية رائعة ولكني أصبحت يوما بعد يوم أرفض التعرف على جديد أعماله  ووجهة نظره في أمور عدة إلى أن قرأت رواية " رأيت رام الله " التي لم أدرك إلا لاحقا أنها لوالده الشاعر القدير مريد البرغوثي. ربما تصرفت حيال الشاعر وشعره بأسلوب لا يليق بمنزلته ولكني لا زلت أبحث عن تفسير لوجود حائط المبكى في القصيدة بدلا من حائط البراق. لقد قال د. تميم ذات يوم "لا أحدد لغة القصيدة قبل كتابتها، ولا وزنها، ولا قافيتها، بل هي تأتي بإيقاعها ولغتها " وهل المبكى من الإيقاع والوزن والقافية بشيء ؟  اعذرني إن شعرت انك في موضع هجوم فأنا لست بصدد الهجوم ولكني بصدد الاستفسار.
أحاول أيجاد  سببا مقنعا لاستعمال الاسم اليهودي بدلا من الاسم الأصلي ولكني لم اهتد بعد إلى السبب.  قلت لنفسي ربما لضرورة الوزن الشعري, لكني لا زلت غير مقتنعة لأن الشعر لم يكتب لنراعي الوزن والقافية فقط وإنما لأسباب أخرى أهمها هو المحافظة على هويتنا وتاريخنا  على الأقل.
 يكملون صلواتهم وهم لا يعرفون شيئا عن السور,وتاريخه, وسكانه , وويلاته. لا يعرفون من شيد السور ولماذا ؟ لا يستطيعون تخيل كم حمى من النساء والأطفال والشيوخ أيام حروب العابرين . لم يدركوا بعد أنها مدينة كباقي المدن الأخرى , لكنها حين تشعر بالتهديد تصبح ليست كباقي المدن , تبدو للناظرين وكأنها توقفت عن النمو لتنهي مهمة  تنظيف شوارعها من العابرين لتعود من بعد  وتكمل حياتها بشكل طبيعي وتكون مدينة كباقي المدن.
ربما هو يعرف أكثر مني عن السور وأيامه وتاريخه , ربما هذا هو السبب في استعماله وصفهم للسور بدلا من وصفنا. إنني لا اقتنع أحيانا بتحليلاتي للأمور لأنها قد تبدو ضربا من ضروب الخيال بعيدة عن الواقع كبعد الإسرائيليين عن فهم تلك المدينة.
لماذا استعمل حائط المبكى بدلا من حائط البراق في قصيدة " في القدس" ؟ هل فشلت في فهم المعنى المقصود ؟ هل استعصى علي إدراك ما كان يحاول قوله في ذلك البيت الشعري؟

يا من تجدون إليه سبيلا أسألوه على لساني " لماذا حائط المبكى وليس حائط البراق؟"        

Saturday, October 9, 2010

أيه في أمل 2


أحاول جاهدة البحث عن أمل صغير لعلي أتوقف عن إصدار التصريحات والآراء ذات الطابع السلبي مما يؤثر بشكل سيء على مزاجي ومزاج أمتي.  إني اعتذر وبشدة عن كل التشاؤم السلبي الذي ورد مني في الفترة الماضية. قررت اليوم وأنا بكامل قواي العقلية بأن أبحث عن الأمل وأردد مقوله فيروز أيه في أمل
أثناء بحثي المتكاسل عن الأمل رأيت العجب العجاب , رأيت أبناء الوطن الواحد يتفننون في تعذيب وإذلال بعضهم البعض. لم أرى وطنا واحدا , رأيت ما يسمى الولايات اللامتحدة الفلسطينية . في الطريق أخبرني أحدهم بان أتجنب الحديث مع الحراس وإلا سأجلب المتاعب لي ولعائلتي , حيث أنهم لن يتغاضوا عن كوني فتاة ويسمحوا لي بالمرور إلى الجانب الأخر من الوطن ( بالمناسبة الحراس هم أيضا من أبناء جلدتي وليسوا  يهودا كما قد يظن البعض). ظللت أسير في الطريق إلى أن وصلت إلى مجموعة من المباني الرمادية المحاطة بالأسلاك الشائكة ليخبرني أحدهم بأنني قد وصلت إلى السجون التي نحتجز فيها بعضنا البعض.
عدت أدراجي للبيت في محاولة مني لفهم ما رأيت في طريقي ولكن عبث , كان جل ما فهمته هو أنني ضقت ذرعا بمفاوضي فلسطين وأتباعهم  الذين  حولوا وطننا إلى ساحة لبيع أحدث ما توصلنا إليه في فنون التعذيب والانشقاق والتعنت 

 قبل النوم وجدت نفسي لا أرديا أردد جملة أيه في أمل ,وفي الصباح أيقنت انه أيه في أمل لأنني تذكرت أننا لا زلنا نملك حق مقاومة كل من تجبر وعتا.
كم أحب ترديد قصيدة  تميم  البرغوثي معين الدمع 


معين الدمع لن يبقى معينا
                   فمن أي المصائب تدمعينا
زمان هون الأحرار منا
                   فديت و حكم الأنذال فينا
ملأنا البر من قتلى كرام
                   على غير الإهانة صابرينا
كأنهم أتوا سوق المنايا
                   فصاروا ينظرون و ينتقونا
لو أن الدهر يعرف حق قوم
                   لقبل منهم اليد و الجبينا
عرفنا الدهر في حاليه حتى
                   تعودناهما شدا ولينا
فما رد الرثاء لنا قتيلا
                   و لا فك الرجاء لنا سجينا
سنبحث عن شهيد في قماط
                   نبايعه أمير المؤمنينا
و نحمله على هام الرزايا
                   لدهر نشتهيه و يشتهينا
فإن الحق مشتاق إلى أن
                   يرى بعض الجبابر ساجدينا






أيه في أمل


أيه في أمل

عذرا سيدتي فيروز لم يتسنى لي أن احتفل بعذوبة وجمال أغانيك الجديدة, ففي الواقع الاحتفال بشهيدين جديدين جعلا من الخريف أكثر حزنا واصفراراً ومكراً وأخذا مني كل الوقت في التفكير والتساؤل والفرح. لذلك رجاء أعذريني.
أرى من نصَب نفسه رئيسا لما يسمى السلطة الوطنية الفلسطينية وكأنه طالب ملتزم بمواعيد حصصه الأسبوعية, أصبحت أراه لا يفارق واشنطن أو بنيامين نيتانياهو.  ها هو في جولة جديدة يساوم التجار على من يدفع أكثر لما تبقى من البلاد, يريد بيع بضاعته من أراضي البلاد ليستريح ويحصَل ما يرنو إليه من أموال ورضا أمريكي وإقناعنا بأنه استقال بسبب تعنت مرؤوسيه ( بالمناسبة يا مستر أبو مازن نحن لم نصل بعد لدرجة ذكائك الأفلاطوني , أعذرنا إن لم نفهم مقاصدك النبيلة من وراء بيع البلاد)
ها هو يجول أصقاع الأرض شرقا وغربا وأنا قابعة إلى الجنوب من مقر رئاسته احتفل بزفاف شهيدين جديدين. هو لا يعرف كيف يحتفل بالشهداء لأنهم سوف يوبخونه ولن يحتمل ذاك التوبيخ , لذلك فإنه  قد ختار أن يسارع ليبيع ما تبقى من البلاد حتى لا يجد الشهيدان قبر يؤويهم من ألم الضياع والشتات.

 يا أبا مازن لن أكون أكثر فصاحة من إبراهيم طوقان حين قال:

 أما سماسرة البلاد فعصبة                  عار على أهل البلاد بقاؤها
إبليس أعلن صاغرا إفلاسه                 لما تحقق عنده إغراؤها
يتنعمون مكرمين ....كأنما                  لنعيمهم عم البلاد شقاؤها
هم أهل نجدتها .. وإن أنكرتهم            وهم – أنفك راغم – زعماؤها

 وقال فيكم أيضا

وطني , أخاف عليك قوما أصبحوا          يتساءلون : من الزعيم الأليق
لا تفتحوا باب الشقاق فإنه                 باب على سود الحوادث مغلق
والله لا يرجى الخلاص وأمركم             فوضى , وشمل العاملين ممزق

 لذلك تمعن جيدا وخذ العبرة مما يلي  وقبل فوات الأوان, مع إنني متأكدة من أنك لن تفهم العبرة أبدا , ولكن ما على الرسول إلا البلاغ.

أنتم المخلصون للوطنية                     أنتم الحاملون عبء القضية
أنتم العاملون من غير قول                  بارك الله في الزنود القوية
وبيان منكم يعادل جيشا                    بمعدات زحفه الحربية
واجتماع منكم يرد علينا                    غابر المجد من فتوح أمية
ما جحدنا أفضالكم.. غير أنا               لم تزل في نفوسنا أمنية
في يدينا بقية من بلاد                      فاستريحوا كي لا تطير البقية 
                                 
                                                                                 يتبع .....