Thursday, July 19, 2012

امل دنقل - لا تصالح





(1 )
لا تصالحْ!
..ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى..:
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،
حسُّكما - فجأةً - بالرجولةِ،
هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،
الصمتُ - مبتسمين - لتأنيب أمكما..
وكأنكما
ما تزالان طفلين!
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..
تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!
(2)
لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
أعيناه عينا أخيك؟!
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟
سيقولون:
جئناك كي تحقن الدم..
جئناك. كن -يا أمير- الحكم
سيقولون:
ها نحن أبناء عم.
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك
واغرس السيفَ في جبهة الصحراء
إلى أن يجيب العدم
إنني كنت لك
فارسًا،
وأخًا،
وأبًا،
ومَلِك!
(3)
لا تصالح ..
ولو حرمتك الرقاد
صرخاتُ الندامة
وتذكَّر..
(إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة)
أن بنتَ أخيك "اليمامة"
زهرةٌ تتسربل -في سنوات الصبا-
بثياب الحداد
كنتُ، إن عدتُ:
تعدو على دَرَجِ القصر،
تمسك ساقيَّ عند نزولي..
فأرفعها -وهي ضاحكةٌ-
فوق ظهر الجواد
ها هي الآن.. صامتةٌ
حرمتها يدُ الغدر:
من كلمات أبيها،
ارتداءِ الثياب الجديدةِ
من أن يكون لها -ذات يوم- أخٌ!
من أبٍ يتبسَّم في عرسها..
وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها..
وإذا زارها.. يتسابق أحفادُه نحو أحضانه،
لينالوا الهدايا..
ويلهوا بلحيته (وهو مستسلمٌ)
ويشدُّوا العمامة..
لا تصالح!
فما ذنب تلك اليمامة
لترى العشَّ محترقًا.. فجأةً،
وهي تجلس فوق الرماد؟!
(4)
لا تصالح
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟
وكيف تصير المليكَ..
على أوجهِ البهجة المستعارة؟
كيف تنظر في يد من صافحوك..
فلا تبصر الدم..
في كل كف؟
إن سهمًا أتاني من الخلف..
سوف يجيئك من ألف خلف
فالدم -الآن- صار وسامًا وشارة
لا تصالح،
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
إن عرشَك: سيفٌ
وسيفك: زيفٌ
إذا لم تزنْ -بذؤابته- لحظاتِ الشرف
واستطبت- الترف
(5)
لا تصالح
ولو قال من مال عند الصدامْ
".. ما بنا طاقة لامتشاق الحسام.."
عندما يملأ الحق قلبك:
تندلع النار إن تتنفَّسْ
ولسانُ الخيانة يخرس
لا تصالح
ولو قيل ما قيل من كلمات السلام
كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟
كيف تنظر في عيني امرأة..
أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟
كيف تصبح فارسها في الغرام؟
كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام
-كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام
وهو يكبر -بين يديك- بقلب مُنكَّس؟
لا تصالح
ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام
وارْوِ قلبك بالدم..
واروِ التراب المقدَّس..
واروِ أسلافَكَ الراقدين..
إلى أن تردَّ عليك العظام!
(6)
لا تصالح
ولو ناشدتك القبيلة
باسم حزن "الجليلة"
أن تسوق الدهاءَ
وتُبدي -لمن قصدوك- القبول
سيقولون:
ها أنت تطلب ثأرًا يطول
فخذ -الآن- ما تستطيع:
قليلاً من الحق..
في هذه السنوات القليلة
إنه ليس ثأرك وحدك،
لكنه ثأر جيلٍ فجيل
وغدًا..
سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،
يوقد النار شاملةً،
يطلب الثأرَ،
يستولد الحقَّ،
من أَضْلُع المستحيل
لا تصالح
ولو قيل إن التصالح حيلة
إنه الثأرُ
تبهتُ شعلته في الضلوع..
إذا ما توالت عليها الفصول..
ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس)
فوق الجباهِ الذليلة!
(7)
لا تصالحْ، ولو حذَّرتْك النجوم
ورمى لك كهَّانُها بالنبأ..
كنت أغفر لو أنني متُّ..
ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ.
لم أكن غازيًا،
لم أكن أتسلل قرب مضاربهم
لم أمد يدًا لثمار الكروم
لم أمد يدًا لثمار الكروم
أرض بستانِهم لم أطأ
لم يصح قاتلي بي: "انتبه"!
كان يمشي معي..
ثم صافحني..
ثم سار قليلاً
ولكنه في الغصون اختبأ!
فجأةً:
ثقبتني قشعريرة بين ضلعين..
واهتزَّ قلبي -كفقاعة- وانفثأ!
وتحاملتُ، حتى احتملت على ساعديَّ
فرأيتُ: ابن عمي الزنيم
واقفًا يتشفَّى بوجه لئيم
لم يكن في يدي حربةٌ
أو سلاح قديم،
لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمأ
(8)
لا تصالحُ..
إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:
النجوم.. لميقاتها
والطيور.. لأصواتها
والرمال.. لذراتها
والقتيل لطفلته الناظرة
كل شيء تحطم في لحظة عابرة:
الصبا - بهجةُ الأهل - صوتُ الحصان - التعرفُ بالضيف - همهمةُ القلب حين يرى برعماً في الحديقة يذوي - الصلاةُ لكي ينزل المطر الموسميُّ - مراوغة القلب حين يرى طائر الموتِ
وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة
كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة
والذي اغتالني: ليس ربًا..
ليقتلني بمشيئته
ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته
ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة
لا تصالحْ
فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ..
(في شرف القلب)
لا تُنتقَصْ
والذي اغتالني مَحضُ لصْ
سرق الأرض من بين عينيَّ
والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة!
(9)
لا تصالح
ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ
والرجال التي ملأتها الشروخ
هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم
وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ
لا تصالح
فليس سوى أن تريد
أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد
وسواك.. المسوخ!
(10)
لا تصالحْ
لا تصالحْ

Thursday, July 12, 2012

ما علاقة ياسر عرفات بمجزرة تل الزعتر؟ مجرد سؤال بريء


ما سأقوله في السطور التالية لن يعجب الكثيرين، وسوف يثير غضب القائمين على تهدئة الأوضاع مع العدو الصهيوني، وربما بعض أفراد أجهزة الأمن الوقائي والمخابرات المخلصين للتنسيق الأمني مع العدو...
أحد أصدقائي الأعزاء في الفترة الأخيرة أًصبح يدعوني باليمينية المتطرفة، يشعرني أحياناً وكأنني أنتمي إلى أحد أحزاب اليمين الإسرائيلي المتطرف، يعود السبب في تلك التسمية إلى أرائي التي لا تنطبق مع يسمى عملية السلام القائمة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي حسب ما تسمى في علم السياسة. لن أخوض كثيراً في تفاصيل  تلك العلاقة " اللاشرعية "  بين الطرفين تطبيقاً للمثل القائل " يا داخل بين البصلة وقشرتها ما بنوبك غير ريحتها " وعليه فإنني لن أتدخل بين الطرفين بل سوف أبذل قصارى جهدي لإقناع الرأي العام الفلسطيني أولاً، والرأي العام العالمي ثانياً بعدم شرعية العلاقة بين الطرفين، ووجوب التخلص منهما في أقرب وقت ممكن  ... عندما قررنا أن لا نكون جزءاً من الصراع القائم بين نظام أنتجته اتفاقية أسلو وبين سلطة الاحتلال الإسرائيلي وجدنا أنفسنا:
1- في سجون الاحتلال الإسرائيلي نقاتل بأمعائنا الخاوية، وننتصر في نهاية المطاف.
 2- في سجون مخابرات نظام أوسلو نجرب أعقاب السجائر المطفئة على أجسادنا، وندرب أسماعنا على سماع أسوأ المسبات البذيئة والتي لا تخلو من قذف أعراض أمهاتنا وأخواتنا " يا حيف ع رجال هيك نظام " ..  وننتصر في نهاية المطاف.
 3- مجبرون على الانصياع لما يحدث وذلك للحفاظ على لقمة العيش كما يقول أحدهم... وفي الحالة الثالثة نحن نطبق مقولة " مسكونا من اليد اللي بتوجعنا " ... لكن مبدأ تلك المقولة بدأ يفقد مفعوله ويحولنا إلى شعب فوضوي في معارضته ...
لن أتحدث عن الآخرين ولن أعبر عن أرائهم في النظام القائم، فأنا لا أعلم تحديداً ما يسر كل منا في قلبه وعقله، لا أريد توريط أمة كاملة في أراء شخص يتصف بالعناد ولا يرى سبيلاً لتحرير الوطن سوى ذاك السبيل الذي اتبعه أجدادنا منذ عام 1914 ... وأيضاً لن أنساق وراء حملة الاستهتار والإستحمار الجديدة التي تقودها سهى عرفات بحجة الكشف عن هوية من قتل زوجها. تجول في خاطري عدة تساؤلات أو انفعالات اتجاه ما يدور حول قضية تحديد هوية القاتل. أنا لن أخوض في حلقة جديدة من حلقات المحقق كونان بنسخته الفلسطينية هذه المرة ، قررت الذهاب إلى الجانب الأخر للضريح، ليس لاستخراج الرفات وإنما لكسر حاجز الإلوهية والقداسة المحيطة ب ياسر عرفات...
يحدثنا التاريخ بأن الرجل نجح نجاحاً باهراً في إعلاء القضية الفلسطينية على الساحة الدولية والعربية باعتبارها قضية شعب تعرض لأكبر مجزرة تطهير عرقي في التاريخ الحديث.. لا أدري لماذا قرر فجأة الخروج عن الخط الذي رسمه لنفسه ولحركة فتح في بداياتها... بعد عقد ونصف من الزمن بدأت المجازر تنهمر على رؤوس اللاجئين الفلسطيني في لبنان كالمطر .. كيف سمح هذا الرجل لنفسه ولنظامه بالدخول  في حرب مخابرات ضروس أودت بحياة الآلاف من الفلسطينيين في تل الزعتر وصبرا وشاتيلا وغيرها من المخيمات، لماذا لم يكتب لنا أبو عمار مذكراته ليخبرنا عن كواليس تلك المجازر وكيف أن خلافاته من النظام السوري والأحزاب اللبنانية أدت إلى هذا الكم الهائل من الضحايا، ألا يحق لنا كجزء من تلك الأمة الفلسطينية والذاكرة الجماعية أن نعرف المزيد عن أسرار تلك الحقبة التي لا زلنا ندفع ثمن أخطائها حتى لحظة كتابة هذه الكلمات.
ربما يقول أحدهم بأننا ضحايا مؤامرة الأنظمة العربية المحيطة وإسرائيل، وأن أبا عمار كان الإله المخلص لشعب الله المحتار. لن أدافع عن الأنظمة العربية ولا عن اسرائيل، لكن للأسف قراءاتي في التاريخ لم تساعدني في تحليل  وفهم واستخلاص أسباب صنوف العذاب التي تعرضنا لها على مر العقود الماضية، لم أجد من ينصفني في أجوبة تبرر تلك المجازر، وتبرر سبب تناول الفلسطينيين في تلك المخيمات للقطط والكلاب خوفاُ من الموت جوعاً... لماذا لم يقدم هذا الرجل القابع في ذاك الضريح أيه أجوبة تشفي ضمائرنا من تلك الأسئلة القاتلة..
لماذا يعود إلينا باتفاقية جعلتنا نتقبل الموت وكأنه أحد أهم أركان حياتنا اليومية، لماذا يعود إلينا ونحن في أوج انتفاضتنا باتفاقية تقضي أن يكون الجزء الشرقي المتآكل من القدس عاصمة لدولة لن يكون لها وجود في ظل وجود اسرائيل، لماذا يعود المقاتلون بسيارات المرسيدس يشيدون الفنادق على مداخل المخيمات ويغرقون السوق بأثمن  أنواع البيرة والسجائر والمجوهرات والشقق السكنية والسيارات، لماذا يعود لنا ذاك العجوز ولا زال الأسرى يقبعون في السجون الإسرائيلية، لماذا يعود لنا بنظام مخابرات لا يختلف كثيراً عن نظرائه الأردنيين واللبنانيين والسورين وربما الإسرائيليين، لماذا عاد إلينا ولم تكن بندقيته على كتفه؟ لماذا يعود الرجل وهو رافض لفكرة اغتيال وزير السياحة الإسرائيلية لنجده يأمر بحبس أحمد سعدات ورفاقه في المقاطعة ومن ثم في سجن أريحا " بالتأكيد تعرفون باقي القصة" ... لماذا لم نسمع له ولو تصريحاً واحدا عن أولئك الفلسطينيين اللذين فقدوا حق العودة عند اندلاع حرب العراق ووجدوا أنفسهم في بلدان أمريكا الجنوبية يذوقون الأمرين... تكثر الأسئلة ولا من أجوبة، مع الأيام وجدت أن مجرد التفكير في نزع صفة الإلوهية عن ذاك العجوز هو من الممنوعات.
 هل تجرأ أحد منا على طرح تلك الأسئلة، أم أنها من الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها حسب مبادئ أوسلو؟
عزيزتي سهى الطويل، أؤمن بأن إيجاد أجوبة واضحة لتلك الأسئلة البسيطة سوف يساعدك ويساعد أنصار الرئيس الراحل في تحديد هوية القاتل. لمعرفة هوية قاتل زوجك أدعوك للعيش في جنبات مخيم فلسطيني والنوم في إحدى غرف المخيم لمدة ليلة من ليالي كانون الأول، أدعوك للسؤال عما يدور في أزقة سجون مخابرات السلطة الفلسطينية في بيت لحم ورام الله والخليل. عزيزتي سهى هل تعرفين ما هو شعور تلك السيدة وهي ترعى أغنامها على الجانب الأخر من مستوطنة معاليه أدوميم .. هل تعرفين شعورها وهي مطاردة في وسط الصحراء من قبل قوات الاحتلال الصهيوني.. هل تدركين ما هو شعوري عند الاضطرار للوقف على حاجز الكنتوينر، أو في منطقة المالح  لمدة ساعتين من ساعات شهر آب  فقط لأن الجندي البولندي أراد تأمل المعلومات المدرجة في بطاقة هويتي ...هل تدركين شعور والدين انتظرا رفات ابنهما\تهما لمدة 40 عاماً فقط ليحصلا على دقيقتين لتقبيل ذاك الرفات ... هل ستقبلين رفات زوجك... هل تدركين شعور تلك الصبية التي سوف تنتظر خطيبها 20 عامأ ليخرج من السجن ويحتفلا بزفافهما ..

عندما يدرك أحد ما تلك المشاعر ، ويفكر بمعنى الحياة بأدق تفاصليها، ويكون قادراً على تفسير مجزرة تل الزعتر فإننا حتماً سوف نتوصل لهوية القاتل دون الحاجة لتحقيقات قناة الجزيرة، أو جهود معامل التحليل في باريس وسويسرا، أو حتى دون الحاجة لنبش القبر. نحن لا نريد معرفة هوية القاتل، كل ما نريده هو معرفة هوية ذاك الشخص الذي جعل البندقية من المحرمات. نريد معرفة هوية ذاك الشخص الذي أنتج نظاماً يطارد كل من عشق بندقيته... نريد معرفة هوية ذاك الشخص الذي ينفي المدافعين عن الوطن إلى أوروبا وأفريقيا ....

نحن بأمس الحاجة لأن نحرر عقولنا وقلوبنا من الخوف والجهل ... متى نجحنا في تحرير عقولنا وقلوبنا فإننا سوف نكون قادرين على لوم ذاك الشخص الذي أمر باعتقال أحمد سعدات ورفاقه، وسوف نكون قادرين على تحطيم كل منتجات أسلو بما فيها سجون المخابرات التي قد أزورها بعد كتابة هذه الكلمات ...

Tuesday, July 3, 2012

أم سعد


 لم أقع في حب وغرام أم سعد , ربما يعود هذا إلى أنني شخص ذو عواطف باردة كما يحلو للبعض أن يسميني , اعتدت على رؤية أم سعد بأشكال وأوضاع مختلفة, كانت أم سعد هي ما يشجعهم على المضي قدما كأنها عقدت معهم اتفاقا ضمنيا صامتا على أن يستمروا في مقاومتهم للعدو وأن  تستمر هي بإطلاق الزغاريد" كلما أهداها أحدهم سيارة أو عقد" . لا أدري ما الفرق بين الاعتياد على رؤية أحدهم يوميا وبين أن أحب أحدهم لدرجة أنني أشعر بالحزن لغيابهم عن جدول يومياتي الملل إلى حد ما. لا أزال أسأل نفسي, هل أنا معتادة على وجود أم سعد في حياتي, أم أنني قد وقعت فعلا في غرام تلك المرأة ؟
  ذات صباح خريفي ملبد بالغيوم ورائحة الموت أحدهم قرر فجأة وضَع حد للانتفاضة الفلسطينية الثانية مما أثر سلبيا على علاقتي بأم سعد  التي أصبحت أراها فقط في مخيلتي, فهي لم تعد موجودة لسبب لا أدري كيف أفسره, وجدت أم سعد إن صح القول منذ زمن يبدو لي في هذه الأيام سحيق البعد وإن كان هذا الزمن يرافقني في جميع تفاصيل حياتي اليومية.
إن سألني أحدهم عن أم سعد, فإني لن أجد جوابا لسؤاله , فأنا لا أدري  أين هي الآن, وما الذي حصل لولديها سعد وسعيد؟ وإن كان زوجها لا يزال حيا أم أنه التحق بولديه ؟   كذلك لا أدري ما السبب الرئيسي وراء استعارتي "أم سعد"  من غسان كنفاني, ربما هو وعي الماضي القادم إلى الحاضر من أجل أن يخبرنا شيئا لا نكاد نفقهه. في ذاك الوعي القادم إلى الحاضر نجد  وعي المنفى الذي يتجاوز  المنفى , اللغة البسيطة المباشرة, الإيقاع الهادئ, التحولات التي تندفع كأنها في تواليها تعلن أن الماضي المختزن في الذاكرة , قد كشف عن نفسه فجأة , هكذا تختلط المستويات وتبرعم الدالية التي كانت يوما ما " خشبة بنية داكنة لا تنفع شيئا.... قضيب ناشف.... ولكنه دالية ....تنظر إلى رأس أخضر كان يشق التراب بعنفوان له صوت." بالرغم من بساطة اللغة وسمو الرمزية في ثنايا يدي وجروح أم سعد إلا أنني أشعر بالأسى أحيانا لأن احدهم لا يزال يرفض ما يفعله سعد خارج أسوار المخيم وسعيد داخل المخيم الذي لا يزال يحول شيطان الفقر إلى ملائكة أحيانا.
إن  أكثر ما يدعوني لتقدير وتبجيل أم سعد هو راحتيها وتلك الرائحة التي أصبحنا نفقدها في بلادي منذ زمن ليس ببعيد. جلَ ما أتمناه هو عودة أم سعد مع ولديها سعد وسعيد الآن وقبل غروب الشمس. يستحضرني دوما وصفه لراحتيها وتلك الرائحة التي نشتاق إليها كثيرا..... يقول: " عادت أم سعد, ففرشت راحتيها أمامي, كانت الجروح تمتد فوق خشونتهما أنهرا حمراء جافة, تفوح منها رائحة فريدة, رائحة المقاومة الباسلة حين تكون جزءا من جسد الإنسان ودمائه."

ملاحظة : " عادت أم سعد لتكون جزءاً من يومياتي منذ 21 شباط 2012، منذ ذلك اليوم وهي لا تكاد تفارقني، تطاردني في أحلامي، ترافقني حتى أثناء تناول قهوتي، وتحرمني من النوم أحياناً بفضل الأسئلة التي تزرعها في داخلي ولا أجد لها جواباً ... منذ ذلك اليوم وأنا في حيرة من أمري ..لماذا عادت أم سعد بدون ولديها ؟ هل هما في الطريق إلى هنا، أم أنهما في سجن ما، هل استشهدا في طريق العودة؟ "