Saturday, September 29, 2012

اعتقالات الأمن الوقائي في الضفة الغربية وهدفها الأسمى


يقول الراحل غسان كنفاني " لن تستطيعي أن تجدي الشمس في غرفة مغلقة" لكن للأسف أضحينا نبحث عن الشمس داخل غرفة مغلقة تسمى الضفة الغربية واقتصادها المتهاوي وكأن إصلاح الوضع الاقتصادي المصمم أصلاً من قبل المحتل هو بمثابة إيجاد الشمس التي نبحث عنها، وعليه فإن الاحتجاجات القائمة بسبب تدهور الوضع الاقتصادي هي بمثابة محاولات يائسة لإيجاد الشمس في غرفة مغلقة من جهاتها الست.
جميع فعاليات الاحتجاج على الغلاء المعيشي في الضفة الغربية معلقة منذ أسبوع تقريباً وذلك من أجل إعطاء الحكومة الفلسطينية فرصة لتعيد النظر في قرارتها الاقتصادية الأخيرة والتي ساهمت بشكل قوي في حرف بوصلة الشارع الفلسطيني عن مواجهة الاحتلال الصهيوني. ظاهر الأمر يبدو وكأنه يوجد حالة من الوفاق بين المحتجين وبين الحكومة من أجل التوصل لحلول سلمية للوضع الاقتصادي المتردي والنأي بالبلاد عن فعاليات احتجاجية قد تدمر كل ما تم بنائه من أجل الدولة الفلسطينية العتيدة والتي سوف تمنح لنا على طبق من ذهب في أروقة الأمم المتحدة. "عيش يا كديش" 
في واقع الحال فإن  الأمر هو أكثر تعقيداً وبراغماتية ويحمل جوانب عدة وغموضاً قاتلاً لمن يغض البصر عن ممارسات أجهزة الأمن الوقائي في الشارع الفلسطيني. إن المتابع للصحافة الصهيونية سواء منها المعتدلة أو المتطرفة فإنه يلحظ مدى الارتياح السائد في الأوساط الصهيونية من حملات الاعتقال التي تجري على قدم وساق في الضفة الغربية والتي تساهم حسب رأيهم في تأمين نقاط التماس من "الإرهاب الفلسطيني". وكأن مقاومتنا أضحت إرهاباً.
لا أدري كيف نجحت السلطة في إقناع المحتجين بأهمية تعليق الفعاليات حتى إشعار أخر، وإني أرى بأنه من الخطأ الاستجابة لهذا النوع من المطالب. فتلك الأسابيع التي منحها المحتجون للحكومة هي بمثابة فرصة حتى تستطيع السلطة ونظامها الأمني ترتيب أوراقهم فيما يضمن لهم السيطرة على مجريات الأمور وتوجيه بوصلة الشارع حيثما يريدون أو ربما إخفائها.
 وقف الاحتجاجات هي فرصة ذهبية في وقت حرج وذلك حتى لا يتم  تشتيت جهود الأمن الوقائي بين  اختراق صفوف المتظاهرين  وبين حملات الاعتقال  والتنسيق الأمني مع الجانب الصهيوني  والتي بلغت ذروتها وقد لا نستغرب إذا ما بدأت تلك القوات بتوجيه نيرانها وقنابلها الغازية تجاه معتقليها السياسيين، واللذين وجدوا أنفسهم يعرضون على المحاكم بتهمة تخريب الممتلكات العامة أثناء الاحتجاجات الأخيرة.
إن الاعتقالات الأخيرة التي طالت موظفين وأساتذة وطلاب جامعات لا تهدف إلى القبض على من افتعلوا أعمال الشغب أثناء الاحتجاجات لأن من قام بتلك الأعمال معروفين لدى أجهزة الأمن وقد حازوا على بركاتهم قبل البدء بأعمالهم. وإنما تهدف إلى اعتقال النشطاء اللذين ساهموا في تأجيج الشارع والهتاف برحيل أبو مازن والسلطة الفلسطينية وهو ما لم يكن متوقعاً لدى بعض رجالات السلطة، حيث أن تلك الهتافات جعلت من النظام القائم  يستشعر الخطر فرأى أن أفضل وسيلة للحفاظ على بقائه هي الاعتقالات والمحاكمات ولا يخفى على أحد أن تلك الاعتقالات طالت أبناء حماس والجهاد الإسلامي بما فيهم الأسير المحرر ثائر حلاحلة والحبل على الجرار.
 إن تلك الاعتقالات تهدف إلى قمع أي محاولات شعبية فلسطينية وطنية لتوجيه بوصلة الشارع نحو الاحتلال مباشرة وكأن السلطة تقوم بإجراءات احترازية حفاظا على أمر ولي نعمتها "العدو الصهيوني" ... ظاهر الصورة يخبرنا بأن وقف الاحتجاجات هو فرصة لدراسة الوضع الاقتصادي القائم والخروج بحلول عملية، لكن واقع الأمر معاكس تماماً لما يحاول البعض الترويج له.  
لا ندري بعد أين سوف توصلنا تلك الاعتقالات والمحاكم التي باتت تعقد للمعتقلين بتهم عدة من أهمها تخريب الممتلكات العامة والتردد على المساجد والتخطيط للانقلاب على الحكومة في الضفة الغربية.
ربما يدرك أحدهم يوماً ما بأن عليه التظاهر ضد تلك الاعتقالات والمحاكم الهزلية، لكن إلى أين سوف توصلنا تلك المظاهرات؟ هل سوف يكون لها مساهمة فاعلة في إعادة ترتيب جدول أولويات الشارع الفلسطيني لتكون قضايا اللاجئيين والأسرى  والمقاومة على رأس سلم الأولويات، أم أن هناك جانباً أخر للموضوع لم ندركه بعد خاصة أن السلطة الفلسطينية لم ولن تسمح بأي خطوة تؤدي إلى الإشتباك المباشر مع الإحتلالين الصهيوني والأمريكي.
 الشارع في الضفةالغربية وبالتحديد في الخليل يغلي ولكن لا نستطيع التعبير علانية عن مدى امتعاضنا من حملات الاعتقال التي طالت معظم أبناء المدينة الرائعين بثقافتهم وعلمهم وانتمائهم الوطني بغض النظر عن انتمائهم الحزبي. اتمنى أن لا يدفعنا الأمن الوقائي بحملاته المسعورة لتفريغ غضبنا ضده وبالتالي ضمانه عدم توجيه بوصلتنا نحو شارع الشهداء ووادي النصارى والدبويا ومدرسة أسامة.
وكما يقول غسان 

ليس بالضرورة أن تكون الأشياء العميقة معقّدة.

وليس بالضرورة أن تكون الأشياء البسيطة ساذجة..

إن الانحياز الفنّي الحقيقي هو:كيف يستطيع الإنسان أن يقول الشيء العميق ببساطة. " ولكم في ما بين السطور عبرة يا أولي الألباب. 




Tuesday, September 11, 2012

الوجه الأخر لمظاهرات الخليل


منذ توقيع اتفاقية أوسلو والتي تصادف ذكراها 19 يوم الخمس المقبل والوضع فيما تبقى من أرض فلسطين يزداد سوءا، المستوطنات تكبر يوماً بعد أخر والتهجير لا يزال مستمراُ على قدم وساق، والأسرى الفلسطينيون يعيشون وكأنهم على كوكب أخر. ولكن وبالرغم من كل ما حدث ويحدث منذ توقيع تلك الاتفاقية والسلطة الفلسطينية لا زالت تحلم بالسلام وحل الدولتين وبالقدس الشرقية عاصمة لفردوس مفقود.
السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها وهي تحلق بركب الديمقراطية الأمريكية المخصصة لمنطقة الشرق الأوسط، فترى السلطة يوماً مع ذاك ويوماً مع هذا حسب ما تمليه سياسات الإدارة الأمريكية في المنطقة والتي توفر حماية لا بأس بها للحامي الأول لأمن اسرائيل. باختصار السلطة الفلسطينية لا تعدو كونها وكيلاً للاحتلال الصهيوني تعمل على حماية أمنه ومطاردة كل من يرغب بالكفاح المسلح وتسليمه إلى الطرف الأخر في الصراع. لكن منذ انطلاق ما يسمى بالربيع العربي في الدول العربية المجاورة بدأت السلطة تنهج نهجاً جديدا- قديماً يسمى بالاستحمار وذلك حفاظاً على نفسها من الانهيار والسقوط في ظل إخفاقاتها المتعددة على المستوى الشعبي وانعدام الثقة بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية المتلاحقة.  
إن المتتبع لتاريخ السلطة في التعامل مع الوضع الداخلي الفلسطيني يدرك جيداً بأن السلطة لم ولن تسمح بأي فعل يؤدي إلى الاشتباك المباشر مع الاحتلال، وخير دليل على ذلك حملات الاعتقالات التي طالت جميع أعضاء الفصائل الفلسطينية التي لا زالت تؤمن بالكفاح المسلح حلاً لتحرير الوطن، وبالطبع لا يخفى على أحد التنسيق الأمني بين الطرفين لضمان عدم إطلاق رصاصة واحدة ضد "اسرائيل ". وحتى لا يقال بأن السلطة هي نظام ديكتاتوري أو فاشي فإنها استغلت عواطف الشعب المتأججة نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي وحماسهم لعيش تجربة الدول المجاورة في الثورات وسمحت بالاعتصام والتظاهرات السلمية ضد موجة الغلاء الأخيرة وضد رئيس الحكومة الذي يحظى بتأييد من الإدارة الأمريكية.
الاحتجاجات في الشارع لفلسطيني ضد الحكومة ورئيسها لو امتدت لشهر واحد مع أهداف واضحة لكانت كافية لإسقاط السلطة وتوجيه البوصلة نحو الاحتلال.لكن ربما لم يحن الوقت بعد.
إن السيناريو الذي حصل البارحة في الخليل ما هو إلا دليل على نية أحدهم امتصاص غضب الشارع من خلال اتاحة الفرصة لتجسيد مشاهد " ربما ثورية " من الدول المجاورة ... عندما بدأ الشباب بالهتاف ضد أبو مازن ورحيل السلطة انطلقت مجموعة لا تتعدى 20 شخص إلى مبنى البلدية لتقوم بتكسير واجهته وتنطلق فيما بعد الكتيبة الخاصة الأولى من الشرطة معززة قنابل الغاز المسيل للدموع ودروع الأمن الوقائي البشرية لحماية بلدية الخليل. حاولت الشرطة فض الاعتصام الأول الذي شارك به حوالي 5000 شخص لكن لم تنجح وكانت النتيجة بأن العدد تضاعف ليصبح 10000 شخص بحلول الساعة الرابعة هاتفين برحيل السلطة والرئيس لتنطلق مجموعة أخرى وتقوم بتكسير مقر شرطة الحرس وإعادة سيناريو قنابل الغاز المسيلة للدموع وتمتد الاشتباكات حتى ساعات متأخرة من الليل لينتج عنها 150 مصاباً. لا ندري بعد من الذي افتعل كل تلك الأحداث ومن المسبب الأول والأخير لها، وإني لأشهد له بالذكاء فهو المدرك جيداً لقوة وتأثير الشارع في الخليل والذي إن غضب ترك منطقة عين سارة وتوجه لمنطقة باب الزاوية التي شهدت البارحة توتراً كبيراً صاحبه تعتيم إعلامي كبير ومقصود.
الخليل البارحة كانت بأشد الحاجة لمن يوجه بوصلتها نحو الطريق الصحيح وليس لمن يحصرها في منطقة عين سارة وابن رشد.  
أخيراً، حتى تكتمل الصورة يجب أن نتذكر أن الأسرى القدامى سوف يخوضون إضراباً مفتوحاً عن الطعام حتى الحرية أو الشهادة وهو ما ينذر باحتمال انطلاق انتفاضة ثالثة ليست ضمن حسابات ولا مصلحة عباس وزمرته، وهو ما دفعه لتقديم كافة التسهيلات للمظاهرات والشاحنات الجرافات للتظاهر ضد رئيس حكومته وربما ضده شخصياً مما يضمن له عدم التمكن من حشد الدعم الشعبي من أجل دعم إضراب لا يصب في مصلحته ولا مصلحته حليفه الإسرائيلي.    السلطة تسقط شرعيتها حينما نبدأ بإحراجها مع "إسرائيل " وتوجيه البوصلة نحو اسرائيل وليس نحو رئيس حكومة أو رئيس سلطة زائل مع انطلاق أول شرارة للانتفاضة. ودمتم سالمين


Tuesday, September 4, 2012

جرافات الخليل بين غلاء فياض واستحمار أبو مازن


للأسف نجح نظام أوسلو في تغيير قائمة أولوياتنا لتجعل من الشهيد والأسير والأرض المصادرة في أسفل سلم الأولويات، وجاعلاً من رغيف الخبز الهم الأول والأخير للمواطنين على الرقعة الصغيرة التي بقيت من أرض فلسطين ...  على الأقل كنت أتمنى أن أرى الجرافات والشاحنات  تغلق شوارع مدينة الخليل من أجل الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني .. ربما نحن الآن أمام مفترق طرق ظاهره أزمة اقتصادية وسياسية خانقة وباطنها تصفية لما تبقى من صفحات الثورة الفلسطينية.. الاعتقالات لا زالت مستمرة على قدم وساق... تارة من قبل قوات الاحتلال الصهيوني وتارة من قبل أجهزة المخابرات الفلسطينية .. المستوطنات تكبر يوماً تلو الأخر.. ونحن نقاتل الموت من أجل لحصول على رغيف الخبز ..

منذ الصباح الباكر بدأ الناس والشاحنات " 300 شاحنة " بالتجمع من كافة أرجاء المدينة ابتداء من منطقة الفحص  الصناعية ذات الخصوصية والحساسية الكبيرة بسبب قربها من نقاط وحواجز الاحتلال الصهيوني المشرفة على الطريق الالتفافي المخصص للمستوطنين القادمين باتجاه البلدة القديمة والحرم الإبراهيمي الشريف. التجمع الذي بدأ في منطقة الفحص نتج عنه اعتقال خمسة مواطنين من قبل قوات الاحتلال. لا أدري بعد إن كان هناك تنسيق أمني بين الطرفين الصهيوني والفلسطيني فيما يتعلق باعتقال هؤلاء المواطنين، أم أنها مجرد صدفة. 

بحلول الساعة 12 ظهراً قام أصحاب المحلات في منطقة دوار المنارة بإغلاق محلاتهم والتوجه لدوار ابن رشد لتتسع حركة الإغلاق وتشمل كافة شوارع المدينة... أعداد الناس على دوار ابن رشد في تزايد مستمر وأعلن المحتجون الاعتصام المفتوح حتى رحيل سلام فياض وحكومته "ردة فعل عاطفية"...الحراك في المدينة حتى اللحظة لا يعدو كونه " فشة خلق "..كلنا أمل أن يتخذ الإحتجاج شكلا أكثر قوة وحزماً وتنظيماً في الأيام القادمة وأن لا يكون ضمن خطة الإستحمار الوطنية الكبرى ...


المستغرب في مظاهرة اليوم أن قوات الأمن الوقائي لم تشتبك مع المواطنين كعادتها، على الرغم من تواجدهم بكثافة وباللباس المدني .. ربما لو هتف أحدنا ضد أسلو وضد إسقاط نظام أوسلو، والتنسيق الأمني، وضد الاحتلال الصهيوني لكان المشهد أكثر دموية وتوتراً ... نجح نظام أبو مازن في توجيه غضبنا ضد الحكومة الفلسطينية ورئيسها سلام فياض، وذلك ليبعد أنظارنا ويشتت انتباهنا عن التنسيق الأمني الذي يجري على قدم وساق ودون توقف ...  وعن مشروع القدس الكبرى الذي تروج له الحكومة الصهيوينة منذ مدة ...وعن أمور أخرى لا زلنا نجهلها بسبب انشغالنا برغيف الخبز...  وربما يجدر بنا أن نسأل أنفسنا لماذا تم البارحة منع الشباب والذين يقدر عددهم ب 2000 شخص من التوجه لمقرات الأمن الوقائي ومبنى المحافظة، ولماذا تم التغاضي عن الموضوع وكأنه لم يكن ولم يحدث أصلاً .. في الواقع نجحت قوات الأمن الوقائي نجاحاً باهراً البارحة في امتصاص غضب الشارع وتوجيهه توجيهاً كاملاً ضد شخص سلام فياض ....  قد أكون أخطأت في قراءة المشهد في الخليل، وقد أكون وقعت ضمن شبكة الاستحمار الوطنية الكبرى... ولكن لا زلت أرى بأنه لم يحن الوقت بعد لنحرك جرافاتنا وشاحناتنا ضد  اتفاقية أوسلو ونظامها العفن  ...