يقول باولو فريري
"إن اكتساب وعي انتقادي للاضطهاد يتطلب ممارسة النضال، وأخطر أنواع العقبات
أن يطمس الاضطهاد ضمائر المضطهدين ويدجنهم". حين تكون الرؤية معدومة أو قاتمة
فالعقل حينها يكون قي حالة خمول وسبات لا ندري متى نهايتها. الأحوال في بلادي
تزداد سوءاً يوماً بعد أخر لأننا جميعاً وعلى ما يبدو فقدنا القدرة على الرؤية
الصحيحة وأصبحنا كرجال غسان كنفاني الذين قطعوا الصحراء من أجل الركض وراء لقمة
العيش في بلاد النفط والمال والتي أبعدتهم عن البندقية ومشتقاتها.
نحن
خاضعون لمناورات القوانين والألاعيب السياسية المجهولة والقذرة في معظم الأحيان.
نحن محكومون بخيبات الأمل لأن المسافة بيننا وبين مقاتلي الحرية على حدود الوطن
تماماً كالمسافة بين كوكب الأرض وأخر نجم في المجرة المجاورة لدرب التبانة.
أحياناً أشعر وكأننا كالأعمى الذي يتحرك في عوالم الراهن بحيث يتعذر رؤية الفرد بكل
وضوح وسماع مختلف أصواته. لماذا أنتمي إلى ذلك الجيل الذي يشرب قهوته متأملاً
الساحل الفلسطيني بكل حواجزه الرمادية من غير إيجاد القدرة اللازمة للتعبير عن
شعور الحنق الذي يغمرنا ولا يكاد يفارقنا ويطاردنا أحياناً أخرى ليلنا الغريب
الملامح.
هل
أطمح لعيش انتفاضة ثالثة ذات تجربة أقوى وفاعلية أكبر من تلك التجربة التي عايشتها
أثناء الانتفاضة الثانية؟ لا أدري ما الذي أطمح إليه في ظل فساد الذاكرة الجماعية
الفلسطينية وانحدار الفكر إلى أدنى مستوياته. تلخص والدتي طموحي بأنه يتمحور حول
عدم الوصول لمرحلة الوقوع تحت تأثر الفكر القائم، بكلمات أخرى لا أريد لنموذج
البلد الحالي أن يغيرني نحو الأسوأ وأنا التي تطرح في مخيلتها فكرة قيام انتفاضة
ثالثة تتسبب في سقوط نظام سلطة اتفاقية أوسلو يتبعه سقوط نظام حكم قطاع غزة. أي
صوت في داخلي أحاول الإصغاء إليه ؟ وأي فكرة أريد الوصول إليها ؟
هل
ستسقط السلطة الفلسطينية بمجرد القيام بانتفاضة ثالثة ؟
لا
أدري فعلاً إن كانت السلطة الفلسطينية معرضة للسقوط في ظل قيام انتفاضة ثالثة وفي
ظل الأزمات السياسية والمالية "المفتعلة أحياناً. بالعودة قليلاً إلى الوراء
وإلقاء نظرة خاطفة على أثار الانتفاضة الثانية ذات المدى البعيد وعلى المستويين
الاجتماعي والسياسي نلحظ كيف أن السلطة الفلسطينية لم تسقط وإنما زاد نفوذها في جانب العمالة والتنسيق الأمني
وتسليم المقاومين للجانب الصهيوني بحجة الحفاظ على الأمن بغية الوصول للسلام مع
الجلاد. استغلت السلطة الوضع الاقتصادي المتردي بعد اندلاع الانتفاضة الثانية
لتقوم بتفكيك قاعدة المقاومة الوطنية الشعبية وتفكيك ما تبقى من البنى التحتية
للمقاومة المسلحة التابعة لكل من الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
وبالطبع الجناح العسكري لحركة فتح والمتمثل في كتائب شهداء الأقصى. أما حماس فقد
تم جرَها إلى مربع السلطة السياسية من خلال انتخابات عام 2006 وما تبعها من أحداث
لازالت مستمرة حتى لحظة كتابة هذه الكلمات.
هل
يوجد قيادة فلسطينية قادرة على القيام بانتفاضة ثالثة وضمان عدم الانجرار وراء نهج
المفاوضات ؟
الشارع
الفلسطيني هو القائد وهو الذي يملي المواقف، حدث ذلك في الإنتفاضة الثانية مما
اضطر القيادات من سلطة وتنظيمات سياسية إلى الإصغاء لنداء الشارع والاستجابة لمطالبه; وعليه يجب على
الشارع الفلسطيني بمثقفيه ونخبته التي لا زالت تؤمن بالحرية التحرك وعدم ترك رجال
المقاومة المسلحة في الميدان وحدهم يخوضون المعارك من أجل الحرية. إن قوى أي مسؤول فلسطيني يجب أن تكون مستمدة من
اعتراف الشارع وتأييده لا من المنظمة التي ينتمي إليها، أو من الموقع الرسمي الذي
يحتله. الوضع الراهن والفساد الجماعي والقابلية للعبودية التي يظهرها الكثير من
أبناء الشعب أنتج لنا مسئولين يستمدون قوتهم من قمع الشارع والتمويل الأجنبي
والتنسيق والعمالة مع الجانب الصهيوني.
لإنتاج
قيادات جديدة قادرة على انتزاع الحرية يستوجب علينا إعادة النظر في الأطر التنظيمية
ومحاولة تلافي النواقص والأخطاء التي ميزت المرحلة السابقة وربما الراهنة. جدارة
التنظيمات والأحزاب والأفراد تتمثل وتقاس بمدى المشاركة والتعبئة الفكرية التحررية
الواعية، وبمقدار التضحية، وليس بالاعتماد على الأطر التنظيمية الضيقة وحدها.
المزودات على الأحزاب الأخرى والتقليل من شأنها وشأن تضحياتها وتاريخها العريق في
النضال الوطني الفلسطيني لن تجدي نفعاً، ولن تجلب لنا سوى الدمار الفكري والتعصب
الحزبي الأعمى الذي لن يخدم أحداً سوى الاحتلال الصهيوني وأعوانه، فبدلاً من العمل
على تقليل شأن بعضنا البعض واستغلال الموارد البشرية والمالية والإعلامية من أجل
المزودات التي لن تجدي نفعاً، فإنه من الأجدر توجيه كل تلك الطاقات لتحرير الفكر
والعقل من براثن العصبية الحزبية والقبلية.
الإنتفاضة
حل أم مناخ ؟
الإنتفاضة
وبمعناها الجوهري تأتي بمثابة رد على حالة التراجع والاستسلام، ربما يخيل إلى
البعض أنها ليست حلاً كاملاً، ولكنها بداية الحل، وعليه فهي تعتبر تنبيه ورفض
للمقدمات والحلول والمشاريع السياسية التي يراد فرضها من قبل " اسرائيل"
وأمريكا وحلفائهم في فلسطين والمنطقة العربية على وجه العموم. القيادات الحالية
ليست قادرة على أن تفرض أو توجد حلاً لذلك يستوجب مشاركة 13 مليون فلسطيني وأن
يكون لهم دور ورأي في إيجاد حل أو طريق جديد للحرية.
يتوجب
علينا الترويج للفكرة الحقيقية حول مستقبل الدولة الفلسطينية ألا وهي أن الدولة
الفلسطينية الكاملة على حدود ما قبل عام 1947 ليست موضع اجتهاد أو مساومة وهذا ما
يجب أن يشكل قواسم مشتركة لقاعدة النضال الشعبي الفلسطيني في المرحلتين الراهنة
والقادمة.
الإنتفاضة
حسب عبد الرحمن منيف "تخلق أرضاً أكثر صلابة وجرأة وتماسكاً لأن الأطراف
المقابلة ( يقصد هنا اسرائيل وأمريكا وحلفائهم ) لا تفهم إلا لغة القوة والمصالح،
أما لغة التسامح واللين والحلول الوسط فإنها تعبر أكيد عن العجز والضعف"،
وهذا ما أكدته معطيات هذه الفترة بأمثلة حية وملموسة ولعل أهمها التوغل الاستيطاني
في الأراضي الفلسطينية، والإعتقالات الممنهجة، والاقتحامات اليومية والغارات
الجوية المتلاحقة والتي لم تتوقف يوماً ما، عدا التحكم بالمعابر الحدودية ومداخل
ومخارج ما تبقى من المدن والقرى الفلسطينية.
في
ظل المتغيرات الحالية والغارات الجوية على قطاع غزة واستمرار المجازر الصهيونية
وبداية التحرك الشعبي لا أدري إن كنا نعيش مناخ انتفاضة ثالثة، أم أن الأمر لن
يتعدى سوى ردة فعل عاطفية غير ممنهجة وغير مخطط لها. كتائب المقاومة الوطنية
الفلسطينية المسلحة وردة الفعل الشعبية والأيام جميعهم كفيلون بإعطائي الجواب
المنتظر.
:)
ReplyDeleteما كتبتي جداً رائع ومرتب ومعبر وبفتح افق للتفكير بصورة اعم واشمل
ReplyDeleteوالاهم من كل هذا ان يكون هناك من بعمرك وبفكرك وفي هذا الزمان، يجدد لنا الامل بأن لنا ما لنا وعلينا ما علينا وان النصر كما قالها عز وجل حليفنا ان شاء الله