اللاجئون الفلسطينيون في مجمع سايبر سيتي
نشر للمرة الأولى في شبكة قدس الإخبارية http://www.qudsn.ps/article/393
مع استمرار وازدياد موجات التهجير القسري، والنزوح التي يتعرض لها الفلسطينيون يومياً داخل وخارج فلسطين، لا بد لنا ما بين الحين والأخر من التوقف قليلاً لرصد قصص المعاناة والإهمال التي تحملها تلك الموجات في طياتها. ولعل أحد أهم الأحداث الجديرة بالإهتمام الرسمي، والشعبي، والإعلامي، والدولي هو حدث احتجاز اللاجئين الفلسطينين منذ شهر آب 2012 الذين عبروا الحدود السورية إلى الأردن هرباً من الأحداث الدائرة في سوريا في مجمع سايبر سيتي في الرمثا شمال الأردن.
تتضارب الأنباء حول العدد الحقيقي لللاجئين هناك بحيث يُقدر عدد المحتجزين في المجمع بنحو200- 300 لاجئاً، وقد أعلنوا أخيراً مقاطعتهم لجميع الهيئات والمنظمات الدولية، بما فيها ‘الأنروا’، وطالبوا بإخراجهم من المجمع مع استعدادهم لتقديم الضمانات اللازمة للحكومة الأردنية . يذكر أن العشرات من هؤلاء اللاجئين يحملون أرقاماً وطنية أردنية، و وهم من الذين أُجبروا وأهاليهم على مغادرة الأردن بعد أحداث أيلول الأسود عام 1970. وهو ما قد يفسر احتجازهم في المجمع على أنه عقاب على ما اقترفه آباؤهم وأجدادهم في تلك الحقبة.
ويشكو اللاجئون الفلسطينيون القادميون من سوريا إلى الأردن، من ظروف يصفونها بأنها ‘غير إنسانية’ داخل سكن (سايبر ستي) مما دفع بعدد من العائلات إلى الهروب، وأصبحوا مطلوبين لقوات الأمن الأردنية. والجدير بالذكر أن مجمع (سايبر ستي) هو بناية سكنية واحدة تتألف من 6 طبقات تحتوي على 140 غرفة كانت مخصصة للعمال الآسيويين . وفيما يلي شهادات بعض المحتجزين هناك والتي نشرت على موقع عمان نت :
اشتكى العديد من اللاجئين من عدم صلاحية المكان للسكن، وبحسب أم سلطان التي تم نقلها إلى سكن ”سايبر سيتي“: ”تتواجد العقارب والأفاعي وزواحف عديدة على الجدران“. مشكلة السكن لا تكمن فقط بعدم تأهيل بنيته، حيث تؤكد أم حسّان أن اللاجئين يعانون العزل المستمر من خلال عدم السماح لهم بالتكفيل أو تبادل الزيارات، الحالة التي تصفها بـ“المنفى“، كما تضيف: ”انقطاع المصروف عن اللاجئين يشكل معاناة حقيقة“.
من جهتها تقول أم أحمد، السورية المتزوجة من فلسطيني، أن السكن يفتقد للرعاية الصحية، كما يُمنع أي مريض من الخروج للعلاج خارج السكن. أم أحمد المقيمة خارج السكن كونها سورية الأصل، قامت بتهريب زوجها وأبنائها باستثناء ابنها الأكبر، الذي فضل العودة لسورية بدلا من البقاء بالسكن، حسب ما تقول، قرار تهريب زوجها وأبنائها جاء بعد إصابتهم بالجرب ولدغات العقارب إضافة إلى حاجة أحد أبنائها للعلاج من الإصابة التي يعانيها. ”موت بطيء“ بهذا التعبير تصف أم أحمد ما يحصل في سكن ”سايبر سيتي“.
قضية اللاجئين المحتجزين في مجمع سايبر سيتي تثير الأسئلة حول دور كل من الحكومة الأردنية، والحكومة الفلسطينية متمثلة في السفارة الفلسطينية في عمان، ودائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية، وأخيراً الأنروا في حل وإنهاء معاناة هؤلاء اللاجئين.
بالنسبة للحكومة الأردنية من الناحية القانونية يعتبر احتجاز اللاجئين منذ شهر آب الماضي وحتى اللحظة دون العمل على تقديم بدائل، أو حتى البدء في نقاشات مع الجهات الدولية والفلسطينية المعنية بالقضية أمرأ مخالفاً للقوانين الدولية، حيث أن الأردن طرفٌ في معاهدات الأمم المتحدة المتعلقة بكفالة حق التنقل، كما أنها من الدول العربية التي وقعت على بروتوكول الدار البيضاء عام 1965 والذي ينص على التالي:
- يكون للفلسطينيين المقيمين حالياً في أراضي دول جامعة الدول العربية ومتى اقتضت مصلحتهم ذلك، الحق في الخروج منها والعودة إليها.
- يكون للفلسطينيين المقيمين في أراضي الدول العربية الأخرى الحق في الدخول إلى أراضي دول جامعة الدول العربية ،والخروج منها متى اقتضت مصلحتهم ذلك. ولا يترتب على حقهم في الدخول الحق في الإقامة إلا للمدة المرخص لهم بها وللغرض الذي دخلوا من أجله ما لم توافق السلطات المختصة على غير ذلك.
- يمنح الفلسطينيون حالياً في أراضي دول جامعة الدول العربية ،كذلك من كانوا يقيمون فيها وسافروا إلى المهاجر متى رغبوا في ذلك وثائق صالحة لسفرهم، وعلى السلطات المختصة أينما وجدت صرف هذه الوثائق أو تجديدها بغير تأخير.
- يعامل حاملو هذه الوثيقة في أراضي دول الجامعة العربية معاملة رعايا دول الجامعة بشأن التأشيرات والإقامة.
وساكنو مجمع ”سايبر ستي“ محرومون من إمكانية الحصول على الكفالة، وهي اجراء اردني يقوم بموجبه أي مواطن اردني بكفالة لاجئين بحيث يحق لهم التحرك داخل الحدود الاردنية بحرية على مسؤولية الكفيل الاردني الذي يعد مسؤولا أمام الحكومة الاردنية عن إعادته للمخيم حينما تطلب الجهات الرسمية ذلك. وحجة الحكومة الاردنية في منع التكفيل تتمثل في منع التوطين للفلسطينيين خشية على مصير القضية الفلسطينية وقضية اللاجئين. ويضيف أبو حيدر أحد اللاجئين المحتجزين هناك ”حرمنا من التكفيل ولا نستطيع التحرك أبدًا، والمشكلة الأكبر أن أي مسؤول فلسطيني لم يقم بزيارتنا أو التحدث إلينا“.
وهنا يبرز مدى الإهمال و تدني دور الحكومة الفلسطينية وسفارتها في عمان ودائرة شؤون اللاجئين في المنظمة فهو يثير الكثير من التساؤولات حول دور السفير ”عطاالله خيري“ الذي فشل في زيارة اللاجئين والمحتجزين، بينما للأسف نجح السفيران الأمريكي والفرنسي بزيارتهم أكثر من مرة. مما دفع السفارة الفلسطينية أخيراً بإرسال بعض الطرود الغذائية للمحتجزين وكأن الغذاء سيساهم في حل القضية. بالإضافة إلى ذلك فإن دائرة شؤون اللاجئين لم تقم حتى اللحظة بدق ناقوس الخطر فيما يتعلق بهؤلاء اللاجئين الذين يطالبون بهويات وجوازات سفر فلسطينية، والذين أيضاً يتعرضون لخطر الترحيل أو التحول إلى طالبي لجوء كما حصل مع اللاجئين الفلسطينين القادمين من العراق عام 2003 والذين انتهي بهم المطاف في البرازيل بعد احتجازهم لمدة أربع سنوات في مخيم الرويشد. حيث تحركت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للتدخل بعد وصول أم وابنتها جثتين متفحمتين إلى مستشفى عمان جراء البرد الشديد.
أخيراً، فإن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين ”الأنروا“ تتحمل جزءاَ كبيراً من المسؤولية، حيث أن هؤلاء اللاجئين يقعون ضمن نطاق عملها في منطقة الشرق الأوسط، لكنها لا تعير للقضية أي اهتمام يذكر، وهو الأمر الذي سوف يدفع بالمستقبل القريب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للتدخل لحل القضية وإنهاء المعاناة بتحويل هؤلاء اللاجئين إلى طالبي لجوء في الدول الأوروبية وكندا وأمريكا اللاتينية، أي أننا سوف نشهد نسخة جديدة من مأساة لاجئي مخيم الرويشد الذين فقدوا حق العودة بمجرد تحولهم لطالبي لجوء.
يضاف إلى ما سبق ذكره الإهمال الشعبي والإعلامي الذي تتعرض له قضية لاجئي مخيم سايبر سيتي والذي يجدر بنا تسميته بمركز اعتقال، وكأنهم من كوكب أخر. يحتم علينا الواجب الأخلاقي قبل الوطني دق ناقوس الخطر لإنهاء معاناة أولئك الفلسطينين والذين إن فقدوا حق العودة سيفقد كثير غيرهم هذا الحق جراء الإهمال والتقصير.
No comments:
Post a Comment