لم أقع في حب الجامعة كما كنت أتخيل في سنوات المراهقة الأولى. كان أول فصل دراسي بالجامعة أشبه بالأيام الأولى في الروضة , والمدرسة الابتدائية , لا أدري كيف تسلل شعور الغربة إلى كتب الأدب الانجليزي والى قاعات كلية الآداب. لم أرغب في التعرف على الطلاب والأساتذة , كان همي منصبا حول التخلص من وقع المحاضرات الثقيلة والذهاب إلى البيت في أسرع وقت ممكن , والدتي استغربت الحالة التي كنت فيها , كانت دائما تخبرني بأن الوضع سوف يتغير وما هذه الحالة إلا ردة فعل طبيعية لأنني قد دخلت إلى عالم جديد ومختلف عن عالم المدرسة والمراهقة واللعب, في أحيان كثيرة لم أكن أعير كلام والدتي هذا الاهتمام ولكن بعد مرور أربع سنوات عرفت وأدركت ما كانت تعنيه والدتي تماما.
في صباح الخامس من تشرين الأول شاءت ساعة المنبه أن أستيقظ متأخرة نصف ساعة كاملة , لأصل فيما بعد إلى الحرم الجامعي محملة بشحنة من الغضب تكفي لإخافة الجامعة بأسرها. لم تكن ساعة المنبه تستحق مني كل هذا الغضب ولكن على ما يبدو فإنني أصبحت أحب كل ما يثير غضبي لأنني بالفعل أشعر بالغضب , لا أدري ما السبب وراء غضبي الجامح ولكنني متأكدة بأن عقلي الباطن على علم ويقين بسبب ذلك الغضب اللامبرر حسب وصف والديَ. شاءت الأقدار في ذلك الصباح أن أرى لحظة دخولي الحرم الجامعي احد الأشخاص الذين أكن له قدرا كبيرا من المحبة لدرجة أنني لحظة رأيتهم أشحت بوجهي بسرعة إلى الجهة لأرى ما زاد الأمور تعقيدا وسوءاً.
كانوا ثلاثتهم واقفين هناك بكل عنفوان و ثقة, نظراتهم ثاقبة, لائمة, متسائلة, لم أنطق ولو بكلمة, وكأن لساني هرب من مكانه, خجلا وليس خوفا, وقفت انظر إليهم, أحاول فهم أسئلتهم لكي أعطيهم جوابا كان مفقودا منذ عقود, فشلت و عجزت عن فهمهم. شعرت بالخجل من نفسي ومن الجيل الذي انتمي إليه, ساعة رأيتهم أدركت بأنني لا اعرف شيئا من هذه الدنيا. أدركت بأني أعيش وسط كذبة كبيرة سوف تودي بنا إلى الهاوية قريبا.
كيف لم انتبه يوما إلى شاهد الضريح الذي على اليمين من البوابة الرئيسية للحرم الجامعي ؟ هل كانت هناك غشاوة على عيني منعتني من الانتباه لوجود الشهداء الثلاثة هناك ؟ كانوا يرونني كلَ يوم و لا أراهم ؟ عدت للتساؤل مرة أخرى, أصبح عدد أسئلتي يفوق عدد الإجابات الموجودة والمحتمل وجودها. مجزرة جديدة تم إضافتها إلى كتب التاريخ, لا ادري بالتحديد إلى أي كتب تم إضافتها, إلى كتب تاريخنا أم تاريخهم ؟
في السادس والعشرين من شهر تموز لعام ألف وتسعمائة وثلاث وثمانين قامت ...............
No comments:
Post a Comment